DR.MOHAMED
عدد الرسائل : 152 تاريخ التسجيل : 09/02/2009
| موضوع: اتركونا وشأننا الثلاثاء 17 مارس 2009 - 1:31 | |
| [هل السودان ضحية حكامه أم ضحية النظام الدولي الذي تمثله محكمة الجزاء الدولية؟ يطرح السؤال نفسه في مواجهة منطق يراد لنا عن طريقه أن نتحيز للحاكم المستبد أو للنظام الدولي الذي يملك أيضاً وسائله للقسر والإكراه. يُراد لنا أن نغرق في ثنائية لا مكان لمجتمعنا فيها. جاء نظام البشير إلى السلطة بانقلاب عسكري اضطهد خصومه، ثم اضطهد حلفاءه. وما تماهى مع شعبه. وربما أصبح هذا الشعب أكثر فقراً مع مرور الزمن. لا يمثل هذا النظام شعبه ولا يعبر عنه ولا يسعى لتقدمه، فهل يمثل شيئاً آخر؟ وهل يتماهى مع قوة أخرى غير شعبه؟ ما هي هذه القوة الخارجية وما هي مراميها. يقول لنا النظام الدولي إنه هو غير القوة الخارجية التي يمثلها النظام. يريدنا النظام الدولي أن نعتقد أنه والنظام السوداني نقيضان، بدليل أنه انتدب المحكمة الدولية لإحقاق العدالة. لكن تاريخ النظام الدولي الرأسمالي يبرهن في تاريخه أنه ما تماهى يوماً مع أي مجتمع من مجتمعاتنا. نعرف من تجربة العراق أن نظام صدام قد جاء إلى السلطة «بعربة تجرها خيول أميركية» كما قال أحد المشاركين في انقلاب 1963. تقلبت الأيام وتغيرت وجوه النظام، وشُنت حروب في المنطقة وضد الشعب في الداخل وضد الجيران، القوي منهم والضعيف، وكان يجري استنقاذ نظام صدام استنسابياً. أنقذوه عندما واجه إيران، وهزموه عندما دخل الكويت. عزلوا النظام إثني عشر عاماً وأخضعوه للجان تفتيش (تشبه لجان التحقيق التي تعود إلى المحكمة الدولية) وأسرعوا بعد ما حدث في 11 أيلول إلى غزو العراق لإسقاط نظامه، استناداً إلى تهمتين كاذبتين، وهما حيازته سلاح الدمار الشامل وتعاونه مع تنظيم القاعدة. حاكموه على عجل بعدما جوّعوا شعبه ببطء. الضحية في العراق شعبه ومجتمعه ودولته ومصيره. والضحية الأولى لكل ذلك هي وعينا الذي فرض عليه أن يغرق في ثنائية الاستبداد الصدامي أو الحداثة الاستعمارية. لم يدرك الكثيرون منا أن انتصار الحداثة والديموقراطية الأميركيتين كان سيؤدي حتماً إلى تفكيك العراق، وأن ذلك كان هو السياسة الفعلية والمضمرة للسياسة الامبراطورية. تعرف شعوبنا في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية أن تصدير الحضارة إلينا في القرن التاسع عشر، لتعليمنا أسس المدنية ومبادئ الحداثة والأساليب الديموقراطية كان الذريعة لنشر الاحتلال والاستعمار وتقسيم بلادنا بعشوائية كاملة. وتعرف شعوبنا أيضاً أن انشغال الغرب بالحروب الكبرى بين أطرافه المتنافسة حتى الموت، في الحربين العالميتين أدى إلى ازدهار حركات التحرر الوطني وحروبها التي قادت إلى استقلالات لم تفلح في طرد الإمبريالية من بلادها. وتعرف شعوبنا أن عودة الغرب في النصف الثاني من القرن العشرين إلى تصدير حقوق الإنسان والعدالة هي عودة إلى الاستعمار القديم، حيث يلزم. تؤكد لنا هذه العودة حروب الاحتلال الجديدة وانتشار القواعد العسكرية. لا تستطيع الهيمنة الغربية التخلي عن أساليبها القديمة. فالقوة تغري أصحابها. والقوة العسكرية تحتاج دائماً إلى استعراض للقوة وإلى مسرح للاستعراض، والمسرح الآن هو البلدان العربية، وبعض البلدان الإسلامية الأضعف. نريد العدالة لكننا نعرف أنها لا تأتي، ولن تأتي ولا يمكن أن تأتي من الغرب الرأسمالي. الرأسمالية جوهرها تقويض العدالة. ونريد التحرر من الاستبداد، ونعتبر أن أياً من أنظمتنا لا يحمل بذور التحرر في طياته. ما نخافه أكثر من أي شيء هو ما سيؤدي إليه الصراع بين أنظمتنا وقوى الهيمنة الغربية. ما نخافه أكثر من أي شيء آخر هو أن يؤدي هذا الصراع إلى تفكيك مجتمعاتنا، واحداً واحداً، وأن يؤدي ذلك إلى حروب أهلية لا متناهية. نخاف عدم الاستقرار في بلادنا. ونعلم أن بلادنا لا تمتاز عن غيرها بالتنوع الإثني والطائفي والمذهبي الذي يهدد دائماً بعدم الاستقرار. نعرف أن كل بلدان العالم فيها من التنوع ما يكفي لإشعال نار الحروب الأهلية في حال اختُطفت السياسة، أي في حال أخضعت هذه البلاد لبرامج تعيد تشكيلها في أطر قبلية. ونعرف أيضاً أن القبائل الإثنية والطائفية تُصنع وتُبرمج ويعاد تشكيلها. ليس التاريخ خطاً مستقيماً يتقدم من أشكال اجتماعية قبل رأسمالية إلى أشكال الحداثة وقيمها. التاريخ منعرجات تتقدم حيناً وتتراجع حيناً آخر. قبل بضع سنوات كان يقال إن العراق لا يمكن أن يخوض حرباً طائفية مذهبية، لأن ذلك لم يحدث في تاريخه القريب أو السحيق. لكن هذا ما حدث وأُحدث في العراق. نخاف مما سيحدث في السودان لأن تجربة العراق هي التي نقيس عليها، ناهيك بتجربة فلسطين ولبنان وغيرهما. لا نأسف لسقوط نظام عربي، بل نخاف مما يتبع السقوط، لا لأن جمهورنا لا يعرف ممارسة الديموقراطية ولا بدعوى أنه لم يتشبع بقيم الحداثة، بل نخاف مما يخطط ويبرمج لهذه المنطقة العربية، العربية لغةً وانتماء.ً ربما استطاعت أمم أخرى من المستعمرات السابقة أن تتحالف مع الغرب وتطمئن إليه، برغم التاريخ المشترك المليء بالآلام والعذابات. لكن فلسطين لا تسمح لنا بذلك. في وعينا، فلسطين أمر راهن وليست من الذكريات. يأبى الغرب إلا أن يرفض التسوية في فلسطين، ويأبى الغرب إلا أن يجعل نفسه في قلب مأساتنا. توضع المبادرة العربية (السعودية) على الرف، وتشن في أعقابها سلسلة حروب. يُرفض حق الفلسطينيين بأرضهم، ويطالب بحق تقرير المصير للآخرين. تُحرَّض الأقليات في بلدان الوطن العربي على طلب مصير منفصل، بينما تقمع الأقليات في البلدان الأوروبية. لا يفهم الغرب، وفي مقدمته الامبراطورية الأميركية، أن عامة العرب لن يستطيعوا تقبل النظام العالمي أو الوثوق بعدالته ما دامت فلسطين مستلبة وحقوق شعبها منكرة. سوء الفهم هذا هو أساس المشكلة؛ وليست الإشكالية بالنسبة للعرب هي ثنائية الاستبداد والعدالة. ليست مشكلتنا في الموقف من الاستبداد، ولا من العدالة، بل هي في كيفية تحقيق العدالة. نعرف أن نظاماً عالمياً مغايراً، نظاماً عالمياً إنسانياً، لا يبنى إلا بالتراكم، تراكم المنجزات الصغرى. ونعرف بالمقايسة على ما حصل في بلدان الغرب الرأسمالي أن المكتسبات الديموقراطية والاجتماعية لم تتراكم إلا بفعل نضالات الطبقات الدنيا. كنها تراكمت، لا لأنه سمح لها بأن تتراكم، بل لأن استقرار الدول الغربية أجبر أنظمتها على القبول بها. من سوء الحظ أن هذا الاستقرار حدث على حساب الغير. لكننا يحق لنا التساؤل لماذا يصر على التحولات الثورية في بلادنا؟ ولماذا لا يترك المجال لتراكم المنجزات الصغرى؟ ولماذا الإصرار على تغيير الأنظمة وتعديل الدول وحدودها؟ ولماذا تشن الحروب ضد بلدان عربية، الواحدة تلو الأخرى؟ ولماذا يثيرون العواصف المتتالية بحيث لا يبقى مجال أمام أي منا للتفكير بعقل بارد وبأعصاب هادئة؟ إن من يطلق «الثورات» في بلادنا ليس القوى الثورية، بل هو قوى الاستعمار القديم والجديد وأتباعها. القوى الثورية في بلادنا، وفي العالم بمجمله، هي في حال انحسار. انتصرت الرأسمالية إيديولوجياً ومادياً، لكنها تتآكل الآن من داخلها وتنتابها أزمة يمكن أن تؤدي إلى انهيارات أكثر فظاعة مما سبق. كل ما نتمناه هو أن نُترك وشأننا، وأن لا تحاول الرأسمالية العالمية حل أزماتها على حسابنا بواسطة أنظمتنا. [/color]
[/color] | |
|